جديد المنتدى

القائمة الرئيسية
  الرئيسية
  الـمــنـتـدى
  مكتبة تعليم الإنجليزية
  محاضراتي لبيتي !
  أرشيف النتائج الامتحانية
  صـورة و تعليق
  جدول المواد الدراسية
  قواعد القبول
  لمحة عن الكلية
  مـن نحـن
  دفتر الزوار
  راسلنا
بحث شامل في الموقع
تسجيل الدخول للمنتدى
هل تعلم ؟
 

أتمتة امتحانات كلية الآداب ... بين العلم والشائعات . بقلم أ.د. غسان مرتضى

صفحة جديدة 2

ازداد الحديث مع قرب الاختبارات التحصيليّة عن القضايا الحيوية التي يرتبط بها مصير الطالب، وبدأ الطلاب يتداولون موضوعات تتعلق بطبيعة هذه الاختبارات ووظيفتها وطرائقها، ويقوِّمون بصور علمية أو انطباعية ذاتية أداء المدرسين وطرائقهم في وضع الأسئلة والتصحيح وما إلى ذلك، وقد برز إلى سطح الأحداث في الآونة الأخيرة - في كلية الآداب في جامعة البعث على الأقل - موضوع أتمتة الأسئلة الامتحانيّة، ونظراً إلى الضجيج الذي أثاره بعض الطلاب، ولاسيما في السنة الرابعة من قسم اللغة الإنكليزية حصرياً، وبصفتي أستاذاً جامعيّاً أولاً، وعميداً لكلية الآداب ورئيساً لمجلس الكلية المعني باتخاذ القرارات في هذا الخصوص، فإنني أرغب في تقديم ما يأتي:

السؤال الأول المطروح هو: ما الاختبار التحصيلي أو ما اعتدنا على تسميته بالامتحان؟ وما أهدافه؟ والإجابة إنّه ببساطة مجموعة من الإجراءات المنظّمة والمتّبعة في جمع البيانات وتحليلها بهدف معرفة الأهداف التربويّة والعلميّة التي تحققت من تلك التي لم تتحقق، وذلك بغية اتخاذ قرارات تربويّة تتعلق بالطالب والمدرس والمادة المدروسة، كما يتمُّ من خلالها قياس معارف الطالب وإمكاناته على المستويات كافة وذلك لتقويم أدائه أولاً وتقويم مسار العملية التدريسية برمتها. هذا باختصار هو الاختبار وهذه أهدافه، فهل يؤدي الاختبار دوره في كليات الآداب؟ وهل يقدم الفائدة المرجوة في تقويم المسيرة التدريسية وإعادة تصحيح مساراتها؟. إنني - وبوصفي مدرساً قبل أن أكون إدارياً - لا أدعي أنَّ الاختبار يحقق المرجو منه على أكمل وجه من الناحيتين التربوية والعلمية، لكنني أستطيع الإدعاء أنه يحقق حداً مقبولاً في قياس مستوى الطالب.

       ونظراً إلى أعداد الطلاب الكبيرة والمتزايدة في كليات الآداب في الجامعات السورية فقد بدأت إحدى الجامعة السوريّة الكبرى باعتماد أسلوب الأسئلة المؤتمتة في الاختبارات وتبعتها الكليات المماثلة في الجامعات الأخرى، وقد آن الأوان لتحديد مدى فاعليّة هذا الأسلوب ومدى قدرته على تحقيق الأهداف التربويّة المرجوة.

لقد تبين بعد التجربة والاستقصاء أنَّ لهذا النظام محاسن عدة لكنها ليست ذات شأن إذا ما قورنت بمثالبه الكثيرة.

 

ومحاسن نظام الأسئلة المؤتمتة - في حالة إتقان المدرس طرائق وضع الأسئلة التي تستوجب دقة متناهية ومنهجاً مختلفاً عن أنماط الأسئلة الأخرى - تكمن في الآتي:

1.   يلغي هذا النظام ذاتيّة المصحح، وبالتالي يحقق نوعاً من العدالة نظرياً على الأقل- وهنا أؤكد أنه يحققها عند الأساتذة المفقودة لديهم أصلاً وهم قلّة لا يجوز تعميم تجربتهم - لأنّ التصحيح الآلي لا يميز بين هذا الطالب و ذاك، ولا يميّز خطّ هذا من ذاك.

2. يصلح هذا الأسلوب للامتحانات الوطنية التي تجري على مستوى الدولة بأكملها، لأنه يضع معياراً واحداً للجميع، ولأن متطلبات مثل هذه الاختبارات مختلفة عن متطلبات الاختبارات الجامعية .

3. سهولة التصحيح، بحيث لا يتحمل المدرس أعباءه المضنية، وهذا هو السبب الأساسي الذي دفع الكثيرين نحو الأتمتة. على الرغم من عدم اقتناعهم بها.

 

أما مثالب هذا النظام فيمكن تقسيمها إلى مثالب عامّة تنسحب على كليّات الجامعات كلّها، ومثالب خاصة محصورة في كليّات الآداب و المثالب العامّة هي:

1. يتيح النظام المؤتمت الفرصة أمام الطالب لاستخدام التخمين (الحظ) في الإجابة، وبالتالي حصوله المحتمل على درجات لا يستحقها، وقد ينجح طالب ما بالمصادفة ودون أن يستحق النجاح.

2.   ارتفاع الكلفة الماديّة من حيث الطباعة والتصحيح وعدد الأوراق ونوعيتها...إلخ

3. يحتاج إعداد الأسئلة المؤتمتة إلى جهد كبير ووقت طويل، الشيء الذي لا يأخذه في الحسبان عدد من الذين يضعون هذه الأسئلة، كما أنَّه يحتاج إلى خبرات خاصّة عالية المستوى.

4. عدم قدرة هذا النظام على قياس الأهداف التربويّة التي تتطلب من الطالب الشرح أو التفسير أو الإنشاء أو القدرة على تنظيم الأفكار أو ...

5.  سهولة الغش؛ فعلى الرغم من استخدام نماذج متعددة من الأسئلة تبقى مشكلة  الغش الامتحاني قائمة في امتحانات المواد المؤتمتة، و هنا سأستشهد بكلام أحد الطلاب وهو منشور على صفحات ((سيريا نيوز)) بتاريخ 26/ 1/ 2006، يقول: ((بالنسبة للغش فأنا كشخص مجرب، فالغش أسهل بكثير في الاختبارات المؤتمتة لأن الطالب لا يضطر أن ينقل إجابة سؤال كامل قد تمتد لعدة صفحات، بل سيكتفي أن يذكر رقم السؤال، ويعطيه زميله رقم الإجابة!!! وإن كان هناك عدة نماذج فالطلاب يقومون بتبديلها فيما بينهم بعد بدء الاختبار فوراً دون أن ينتبه المراقب ليبدؤوا الغش فوراً)) إنني لا أشكك إطلاقاً بنوايا الطلاب الخيّرة، ولا أسيء الظنّ بأيٍّ منهم، ولا أعتقد أن الغش حالة شائعة، وأنّ تبادل الأوراق يمكن أن يتمَّ بسهولة، لكننَّي هنا أستشهد بكلام طالب يتحدث عن نفسه و في الشاهد ما يكفي من دلالات.

 

أمّا المثالب الخاصّة بكليّات الآداب ولاسيّما أقسام اللغات وآدابها فهي:

1. إنَّ تحصيل المعارف اللغوية شيء، واستثمار هذه المعارف في ممارسة مهارة اللغة شيء آخر. فأتمتة امتحانات مقررات الأدب تقضي على آخر فرصة لاختبار مدى قدرة الطالب على ممارسة مهارة اللغة ممارسة سليمة، وذلك إذا ما علمنا أنّ كليات الآداب في جامعتنا لم تعد تعتمد الاختبارات الشفهية التي تُمكِّن من اختبار مقدرة الطالب في ممارسة اللغة، كما تمّ تعليق العمل بنظام حلقات البحث - وهذا موضوع لا بدّ من العودة إلى مناقشته تفصيلياً - وهو نظام مهم في اختبار إنشاء الطالب ومقدرته على النقاش. ومن هنا فإنَّ نظام الأتمتة في كليات الآداب يؤدي إلى إعاقة حركة الطالب في القراءة والفهم والتعبير، ويؤدي إلى إهمال كل ما له علاقة بالإنشاء والتفسير والتحليل والتقويم وإبداء الرأي، بمعنى أن الاختبار يغدو مخصصاً للذاكرة فقط دون المقومات العقلية الأخرى.

2. إنَّ أتمتة مواد الأدب شعراً ومسرحاً ورواية وقصة قصيرة وأتمتة مواد علم الأدب نقداً وأدباً مقارناً ونظرية أدب...إلخ تختصر معارف الطالب وتحصرها بالعناوين والأسماء والتواريخ، وتحرمه من الدخول في صلب المقررات التي يدرسها، وهنا أتساءل كيف يتجرأ أحدهم ليؤتمت مادة القصة القصيرة وكيف فعل ذلك؟ وكيف يؤتمت الشعر؟ أليس هذا شيئاً غريباً؟! ما الأسئلة التي يمكن أن نسألها بطريقة الأتمتة عن ((هملت)) أو ((البؤساء)) أو ((الإخوة كارامازوف)) ؟ لقد سألت مدرسة تقدمت إليَّ بطلب لأتمتة مقرر من المقررات الأدبية، السؤال الآتي: ((بالله عليك هل أنت مقتنعة بأتمتة هذه المادة))؟ فأجابت: لا والله، لكنني لا أريد أن أصحح هذه الأعداد الكبيرة من الأوراق.

3. عند تصحيح المقررات بالاختبارات التقليدية يتم تقويم أداء الطالب في المعلومات والأفكار والإنشاء واللغة وعلامات الترقيم وطرائق الكتابة (أحرف كبيرة أو صغيرة في بداية بعض الكلمات في اللغات الأجنبية). في حين يتعذر قياس هذه الكفايات في الاختبارات المؤتمتة، فالتركيز فيها يكون منصباً على المعلومة فقط، وهذا الأمر فضلاً عن أنه ينخفض بمستوى الطالب عموماً، فإنه لا يُبرز مستوى الطالب المجتهد القادر على الكتابة والتعبير، ويغمط الطالب المتفوق حقّه، ولا يمنحه الفرصة لإبراز مقدراته ويساويه مع غيره من الطلاب الأقل مستوى منه، ويسهم في إضعاف قدرته على الكتابة الصحيحة.

4. لقد أفضت تجربة الأتمتة إلى انخفاض ملحوظ في المستوى العلمي للطلاب ولا سيما أولئك الذين تخرجوا في كليات أفرطت في استخدام هذا الأسلوب، فالطالب لم يعد قادراً على الكتابة بلغة سليمة أو مقبولة ولم يعد قادراً على التعبير كتابياً عن أفكاره، وأصبح يرتكب عند الكتابة أخطاء لغوية ونحوية وإملائية لا يجوز السكوت عنها، وقد قام مجموعة من زملائي في كلية الآداب  بإجراء اختبارات في هذا الخصوص مع طلاب من خريجي أقسام اللغات الأجنبية وتبين أن الطلاب الأضعف مستوى هم أولئك الذين امتحنوا امتحانات مؤتمتة.

5. إنَّ اندفاع عدد كبير من الطلاب وراء تأييد الأتمتة، ومطالبتهم بها، ليس مبنيَّاً على قواعد سليمة، ولا ينطلق من المبدأ العلمي، بل من شائعات يتداولها الطلاب عن سهولة الاختبارات المؤتمتة، وارتفاع معدلات النجاح والعلامات في هذا النمط من الاختبارات، علماً أن هذه الشائعات وإن صحت في بعض الحالات، فإنَّها ليست كذلك في حالات أخرى.

6. إنّ سهولة تصحيح الأسئلة المؤتمتة، جعلت منها حلاً لمشكلة المدرسين – وليس الطلاب – فلجأ بعضهم  إليها، وذلك في ظلّ أعداد الطلاب الكبيرة وانعدام الحافز المادي لقاء التصحيح اليدوي، والدليل على ذلك أنّ بعض المدرسين يؤتمتون موادهم في كليّة الآداب ولا يفعلون ذلك مع مواد تكاد تكون مماثلة في التعليم المفتوح لأنّ التصحيح هناك مأجور !!!.  

وعلى الرغم من كل ما تقدم ذكره من مثالب الأتمتة يبقى السؤال مطروحاً على طاولة البحث، وتبقى الإجابات الكثيرة قيد الدرس والنظر، وإلغاء الأتمتة نهائياً ليس هو الحل الأمثل، وأتمتة الشعر العباسي أو الفيكتوري و مسرح توفيق الحكيم أو شكسبير أمر غير جائز علمياً على الأقل. وبناء عليه فإن منع أتمتة المواد التي تتطلب الإنشاء والكتابة أمر ضروري. والسماح بأتمتة بعض المواد كعلوم اللغة  واللسانيات ... أمر ممكن – وإنْ كان غير مقنع علمياً- مع مراعاة بعض الشروط، ومنها:

1. أن يكون لدى المدرس بنك أسئلة واسع جداً، مؤلف من عدد كبير من الصور الاختباريّة المتكافئة علميّاً، حتى لا يحدث ما يحدث من تكرار للأسئلة لافت للانتباه ومثيرٌ للاستغراب. وهنا لابدّ من الإشارة إلى أنَّ الأسئلة المؤتمتة لا توضع قبل الامتحان، بل توضع بدءاً من أول محاضرة يلقيها المدرس، وبصورة مستمرة، بحيث يجتمع لديه في نهاية الفصل الدراسي مجموعة كبيرة من الأسئلة المرتبطة ارتباطاً علمياً وثيقاً بالمحاضرات كلّها دون استثناء.

2. ضرورة تنظيم ورشات عمل وحلقات مناقشة للمدرسين الذين لا يجيدون صياغة الأسئلة المؤتمتة علميّاً، ولاسيّما أولئك الذين تنحط نسبة النجاح لديهم إلى مادون 20 %  أو ترتفع إلى ما فوق 80%.

3. ضرورة تحقيق أساس من أهم أسس عمليّة التقويم وهو الشموليّة، ولا يتمُّ ذلك إلاّ برفد الاختبارات المؤتمتة بحلقات بحث وامتحانات شفوية ومذاكرات مستمرة، وإيجاد الآليات التي تضبطها وتحفظ سويتها وموضوعيتها وتحدُّ من سلبياتها، مع ملاحظة أنَّ هذا الأمر يبقى غاية في الصعوبة في ظلِّ أعداد الطلاب الكبيرة والمتزايدة.

4. ضرورة السعي نحو الأتمتة الجزئية وتهيئة المناخ الإداري لذلك، لأنَّ مثل هذا النوع من الاختبارات قد يكون الحل الأمثل، إذا أعددنا له إعداداً جيّداً من الناحيتين الإدارية والتقنية.

إنَّ موضوع أتمتة الأسئلة الامتحانيّة موضوع علمي أولاً، لكنّه في الوقت نفسه موضوع اجتماعي عام ومهم، لذا فإنّني أرجو من السادة المعنيين بهذا الأمر، ولاسيما المتخصصين بالتقويم والقياس من التربويين، كي يداخلوا، ويبدوا رأيهم المبني على التجربة والقواعد العلميّة بغية الوصول على الحلول الناجعة. 

أ. د. غسّان مرتضى  




إعلانات

Done by Arabic-Web for Internet Services
جميع الحقوق محفوظة لموقع آرتين Art-En.com © 2006 - 2025